الثلاثاء، 26 يوليو 2016

الحريـــــــــــــــم

بحكم نزعتنا "القانونية" صرنا – و إن خضنا في موضوع ثقافي – نتناول الشكل في البدء ثم نخوض في الأصل. لغة, الحريم اسم مشتق من الجذع (ح.ر.م) و الحريم من كل شيءِ: ما تبعه فحرم بحرمته من مرافق وحقوق. و قد تطور اللفظ ليتحدد معناه الاصطلاحي بأنه موضع اقامة النساء في قصور الملوك و الامراء. و قد كان يعتبر سلطة داخل السلطة و دولة داخل الدولة. هو في الأصل ميزة الحكم الاسلام حتى ان حاله في ظل  الدولة العثمانية أدهش حتى من هم معتادون على حياة القصور بشهادة مبعوث الملكة البريطانية لمحمد الثالث توماس دالام. حتى امسى المقام لصيقا بقائميه فصار اللفظ يطلق على النساء. لفظ يبدو أن أهل الخليج استساغوه ليقروا تبعية شيئية للمرأة لهم.


إن لفظة الحال في رؤية عصرية، و إن كانت في الظاهر دخيلة على الثقافة التونسية بما هي مجلة الأحوال الشخصية و حراك المجتمع المدني، إلا أنها مقنعة بأنصفة يلقيها عليها حتى أكثر من يناصرون الحداثة و يقدمون أنفسهم نسويين مدافعين عن المرأة. و لعل العلة في الأصل، في تلك العلقة السوداء المعششة في العقل العربي المسلم. فتجدهم يتعسفون عليها باللفظ و الفعل. فالهجّالة مثلا لفظة مهانة و سباب، تعني الأرملة. و لكن ان كانت العربية تلك اللغة البديعة التكوين التي تسمي كل شيء بمسماه، لم لا نسمع لفظة أرمل أو أثكل؟ لم نستنقص المرأة بغياب الرجل؟ أو ليست منتهى الخلق و مكمن الإبداع الرباني؟ لم يعوزها كائن سبقها خلقا أقل منها بحكم هذا التمشي المنطقي تطورا؟ و لعل أكثر ما يشد الانتباه لغويا، نسب الفعل للرجل و خص المرأة بالانفعال. و هي حسب الدكتورة ألفة يوسف، كما ورد في كتابها وليس الذكر كالأنثى: "ليست استعمالات لغوية وصفية فحسب و إنما هي تثبت البعد المعياري لثنائية الفاعل و المنفعل تجعل الفاعل مرموقا و المنفعل محتقرا" هو طرح تستفيض الكاتبة في شرحه لتخلص إلى التعسف اللغوي على المرأة في تونس .

لكن تبقى مسألة الفعل هي الأكثر تجليا. فنجد أن المجتمع يكيل للجنسين بمكيالين مختلفين. فالمخيال العربي بما هو محدد لذاك التونسي يضع الزواج حدا لمطامح المرأة، بينما يكون عتبة دخول الدنيا بالنسبة للرجل. و علاقات المرأة المتعددة عهر و ان لم يكن فيها ما يوصف بالعهر، بينما علاقات الرجل المتعددة فحولة. سيجارة بيد المرأة تسقط سمعتها لسجّين، و أخرى بيد الرجل، تمرّ عليها الأعين مرور الكرام. و لعل أشد تجليات الشيزوفرانيا (انفصام الشخصية) التونسية الموسومة بوسام الرجعية المسبوك بالطمي، مشهد لطالما استوقفني بالتحليل و النقاش: فتى و فتاة يتبادلان القبل على مرأى و مسمع من العامة. في أي مكان آخر هو احتفاء بالحب و الجمال و الولادة الجديدة. أما في حضيض مصب القاذورات الفكري الذي نطلق عليه اصطلاحا اسم المجتمع التونسي المنفتح و المتسامح – في سياق واحد تلاحم فتخشب – الرجال يباركون مقدرة ذاك الكازانوفا و يحتقرون عهر ذات الراية الحمراء تلك. و النساء لا يلقين بالا سوى لفحولة شمشون الجبار و دناءة شيطانة الجنس تلك.
تكونت مما سبق لدي قناعة بأن لكل مجتمع حريمه. حريم السلاطين في قصورهم و حريمنا في عقولنا. كما داء السلاطين في بطونهم و دائنا في ما تدلى بين أفخاذنا. فإن كانت ثقافة أمة تنحصر تحت الحزام، فاقرأ عليها مني فاتحة الكتاب و اقرئها السلام.

نشرت هذه المقالة و الصورة المرفقة بتاريخ 26 جانفي 2015 في المعلقة (مجلة حائطية اسبوعية كانت تصدر عن منتدى الحقوقيين بكلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة و قد كنت رئيس تحريرها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق