كلما أصابت البلاد نائبة قلنا "التاريخ
يعيد نفسه". هي عبارة دفعتني للتساؤل: إن كان التاريخ يرسم في مسيره دوائر
حولنا، لماذا له هذه القدرة العجيبة على مفاجئتنا دوما؟ و خلصت إلى إجابة مفادها:
أننا أغبى من أن نتوقع المحتوم. فأول أمس لما استمسك زوج أمنا الأول "المجاهد
الأكبر" بدواليب الحكم كان مشد وثاقه على أفواه من لم يلقى أمام البسطة التي
جنت على الدولة غيرهم صوتا واحدا متجانسا، ضد الحيف مدى الحياة، و ضد الاحتكار مدى
الحياة، و ضد الصمت مدى الحياة، و ضد الموت مدى الحياة.
فمجاهدنا المحنك يعلم أن
حناجر الطلبة منذ مهدهم بالتبر تسبك. درس تعلمه عنه زوج أمنا الثاني "صانع
التغيير" لما أصدر أمره الرئاسي الأول، أن كلما قام في البلاد خطيب موقظ شعبه
يريد صلاحه، إخمدوا صوته الالاهي بالعسف، أميتوا صداحه و نواحه. فلم يفرق قضيب
السلطة في الاخماد بين "اللحي البنية" و اللحي اللينينية" و بين
"النصيف" و "الكوفية". و كان مآل ألائك الذين رفعوا الصوت ضد
الصمت و آثروا موت المحيا على حياة الممات، أن تلقوا دعوة في قفص حديقة حيوانات
الحرية لوجبة فاخرة تناولوا في مقبلاتها السياط تمهيدا للأكلة الرئيسية، الدجاجة
المصلية و ختموا بالحلويات الكهربائية. ليتجرعوا علقم التغيير عن طواعية، في سبيل
المبدأ كآخر صرح لم تغزه بعد جنود الطغاة و لم يقوى عليه جنون الصمت.
اليوم زوج أمنا الثالث "المجيهد"
يعول على تلك الصيرورة الحتمية للتاريخ، فيرسل علينا سيكلوبه، يحمل الرزايا في
ثنايا صواعقه، يحملق بعينه الواحدة فينا و يمنعنا أن نتثقف، و أن نتكلم، و أن
نتنفس، محتكرا الثقافة بين ثنايا مجلداته الرثة و محتكرا الكلام بشدقي كانغال، و
محتكرا الهواء بمنخاري ابن حرب مهجو ابن الرومي، فكان كما قال فيه: "لك أنف يا
ابن حرب ... أنفت منه الانوف ... أنت في
القدس تصلي ... وهو في البيت يطوف". إلا أننا سنبقى كما كنا و كما عهدتمونا
في بأس هرقل، و نور ابن رشد، و سعي فيديبيدس، أو كما يقول أجدادنا "قدادة و
نقدوا, ندقوا المسامير في الهواء و يشدوا". في سبيل خلود السؤال في النفوس
الفانية. سبيل نعدوه و لسان حالنا يردد لجلال عامر في قصر الكلام: "من
المعروف اعمل معروفا ان الحاكم في العالم الثالث علوي لا يمشي بأمر الدستور لكنه
يمشي ساعة يوميا بأمر الدكتور، فأربعة اخماس البرلمان حزب حاكم، و اربعة اخماس
الهواء نيتروجين خامل، وهو ما يجعلنا نتنفس بحرية، لأن تكميم الافواه يفعله
الاطباء في غرفة العمليات، و الامن المركزي خارجها أشياء صغيرة تنقصنا لنغادر
العالم الثالث العلوي، و نصبح دولة من الطراز الاول، اشياء قليلة تنقصنا هي الحرية
و الديمقراطية و العدل و الشفافية و المساواة و احترام العلم و الاهتمام بالتعليم
و مكافحة الفساد و الغاء التعذيب و ......... البقية في العدد القادم".
نشرت هذه المقالة و الصورة المرفقة بتاريخ 02 فيفري 2015 في المعلقة اثر صدور قرار بمنع نشر العدد السابق بعد يومين من صدوره (مجلة حائطية اسبوعية كانت تصدر عن منتدى الحقوقيين بكلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة و قد كنت رئيس تحريرها)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق