فتحت أمامي بوابة عشتار بزرقتها الدامغة لألج
المترو الخفيف من محطة دربنت تلك المدينة المنسية و ميلاج الفتوحات. جلست حذو
النافذة و قبالة فتاة خجولة جالسة بضم الرجلين و فتح الشفتين و كسر الناظرين. كذا
متمردة على الاعراب. بانت لي فيما داعبت أشعة النجم المستعر شعرها مذ بدأ حاويتنا
المعدنية سعيها المحموم نحو بومباي في تجلي ستناي و لعلها أرتميس أو صاحبة البوابة
الزرقاء. فتحت المكسور و نظرت صوبي فاخترقت جلدي الفاني الى مكمن الروح و قبضت على
مقتلي فكنت لها و كانت لي. ها قد قلت الكلمات و لو في سري. استغللت صعود الناس من
محطة الكلية لأحاذيها مقعدا. عندها و مع المسير عرفت أنها أغلبية و لونها المفضل
الأزرق و مقاس قدمها ثمانية و ثلاثون و عمرها زاد بضعا عن العشرين و هي البنت
الكبرى و الأخت الوسطى و عيد ميلادها اليوم. و فيما توقف بنا المسير في محطة
المطار اقتنيت لها هدية من السوق الحرة. عندها قالت في حياء: "أنا
عذراء" أجبت: "و ماذا في ذلك فأنا ثور...أأقرأ لك حظك اليوم؟"
ابتسمت فانقشع الجليد و شعت حولها هالة ذهبية أكستها حلة قداسة كلوحة من الزجاج
الملون بكنيسة القديس بطرس. و عندها تكلمت ثم تكلمت ثم تكلمت و كدت أضيع الخيط من الابرة
لولا قبلة فاجأتني عن حين غرة فكانت في محطة النزل قبلتنا الأولى. و نما الحب
فينا. و حلمنا و خططنا للمستقبل و لقاء الأهل و الشرط و لبوس الخاتم و الحناء و
الجهاز و رقص الفزاني و فيما يصعد شيخ ضرير بجبته الرمادية إلى القطار من محطة
السبخة التقفناه فأجلسناه قبالتنا و قلنا "أكتب صداقنا". و هكذا صرنا
السيد و السيدة فلان. و قبل أن يفتض المجلس كنت فلاحا اعمل كادحا لزرع بذور الآلهة
في سهل هيرا. دام شهر عسلنا خمس دقائق زرنا فيها سان سيباسشون و جابور و ليسبون و بوينو أيريس
و بودابست لننتهي إلى الساحلين أين توقف بنا الزمان الأزرق الحامل لشعار شركة
السكك الحديدية. فقالت: "أنا حامل". نعم سأصير أب الآلهة. في حقيقة
الأمر توأم اخترت لهما من الأسماء رومولوس ورموس. لعل ذلك راجع لعلمي بما سيشقيانه أو لعها
ضربة حظ أو ضربة شمس. من يدري؟ المهم أننا كنا عائلة واحدة كبيرة سعيدة. ثم كان
علي أن أشتري علبتي حليب مجفف و حفاظان و قارورتا رضاع و لباسان و علبتي دواء
عندما يمرضان. تبا لهما كم يستأثران. لم يكفهما جيباي فاستأثرا دوني بمنهلي أمهما.
تبا لهما و للأبوة و للاقتصاد و للتاريخ و لكل المواد التي رسبت فيها في
الباكالوريا. و نشب الصراع. و تهافت الوافدون من المحطة الجنوبية شطر يشهد شجارنا
و آخر يوسوس في صدورنا ليحمى وطيس وغانا. و حظرنا رجل وقور قيل أنه درس القانون.
فقالت شاكية: "هو لا يفتح كفه فنعيش" و قلت: "هي لا تفتح تيان آن من
فألج لمدينة القرمزية المحرمة" فقالت: "لكن في كفه الحياة" و رددت:
"بل أنت الحياة و إن لم أخض غمارك فأتسلق سفح ايفرست نهدك حتى القمة و أسبح
مع قروش قواطعك في رحيق فمك المتقطر و اسبر كنه تويفيلزهوله القابع في هيبة أسفلك
فأنا ميت. و قبر نفسي هذا الجسد البالي الذي سأم". فأصدر الرجل حكمه بالطلاق
في محطة محمد الخامس. فانتقلت للجلوس بصفة أخرى و تركت كرسي و ما حوله لها و
للتوأم بلا مؤخر صداق و لا نفقة. فلتحبسني. أسمعتم يوما بسجن السجين عقابا؟ و كان
أن نزلنا في محطة وجهتنا. بومباي تلك المدينة التي كتبت نازك الملائكة على
أسوارها: عد, عد إلى لهب الصحاري وانج من حمم المدينة - لا تلق قلبك في اللظى وأصغ
لشاعرة حزينة. و نظرت إلي و نظرت و الطفلان قابعان على زنديها يحيطان جيدها. و قبل
أن تنبس قلت: "لازلت صغيرا لأكتفي بحلمتيك".
نشرت هذه القصة و الصورة المرفقة بتاريخ 09 فيفري 2015 في المعلقة (مجلة حائطية اسبوعية كانت تصدر عن منتدى الحقوقيين بكلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة و قد كنت رئيس تحريرها)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق