التأثير المفسد هو مفهوم يتعلق بنظم
الانتخابات أساسا حيت يبرز النتيجة الحتمية لصدام الظاهرة الحزبية بنظام الانتخاب
و هو ذات السبب الذي يجعل جل دول العالم الديمقراطية تشهد و ان تعددت أحزابها
ثنائية حزبية في التداول على السلطة.
في حقيقة الأمر مفهوم التأثير المفسد هو وليد
تفاعل معطيات أخرى هي بالأساس تنافس الإيديولوجيات و التصويت المفيد و العائلات
السياسية. لتبسيط الامر لنفترض أن ستة أحزاب ترشحت للانتخابات التشريعية هي ألف و
باء و جيم و دال و هاء و واو. و بغض النظر عن طريقة الاقتراع فان أحدها سيكون
الأول. لنقل ان النتائج كالاتي: ألف: 20% و باء: 26%
و جيم: 18%
و دال: 11%
و هاء: 21% و واو: 4%.
بالتالي الحزب ب هو الفائز. في الاستحقاق التالي لن تكون الأمور على حالها
فالناخبون لازالوا يتذكرون النتائج السابقة مما يؤثر حتما على قرارهم الحالي
فهؤلاء الذين وجدوا ان ليس لأصواتهم معنى و لا تأثير سيبحثون عن حزب آخر من نفس
العائلة السياسية فلنقل أن أصوات دال ستذهب لهاء و أصوات واو ستذهب لباء نصير في
حالة أربعة احزاب مترشحة وهي ألف و باء و جيم و هاء. فيكون توزع الأصوات في
الاستحقاق التالي: ألف:20%
و باء: 30%
و جيم: 18%
و هاء: 32%
. بالتالي يكون حزب هاء هو المتصدر و تنتقل اليه السلطة. ثم في الاستحقاق التالي
جمود أصوات الحزبين ألف و جيم و بقاؤهما على هامش الحياة السياسية باعتبار ضآلة
نسبة أصواتهما نسبة إلى ما للباء و الهاء من أصوات سيؤدي بأصواتهما للذهاب في هذه
الحالة إلى الحزب الأقدر على مجابهة ذاك الحزب الذي يعادونه إيديولوجيا فلنقل أن
أصوات الجيم ستذهب للباء باعتبار رفض أنصاره لحكم الهاء لا قبولا و رضا بحكم الباء
و أصوات الألف للهاء للسبب ذاته بذلك يكون التصويت قائما على مبدأ درء المفسدة أي
ترجيح كفة الأقدر على الوصول للسلطة و دحر المنافس لا الاجدر و الاكثر توافقا مع
رغبات الناخبين و هو بنوع من التبسيط جوهر التصويت المفيد. و تكون الأصوات: الباء:
48%
و الهاء: 52%
. و تبقى السلطة بيد الهاء حتى الاستحقاق القادم الذي لن تجد في منافسا عدى الباء
و تبقى السلطة في مجيئ و ذهاب بين هاذين الحزبين. أضف إلى هذه المعطيات مفهوم
توظيف التقسيم الانتخابي و الذي يقصي الأحزاب الصغرى ذات التمثيلية الكبرى في بعض
الدوائر من المعادلة. فلنفترض أن إحدى الدوائر ينقسم ناخبوها بداية بشكل يكون فيه
ثلاثة أعشارهم مرشحين للباء و ثلاثة أعشار آخرين للهاء و أربعة أعشار للألف.
بتواتر العمليات الانتخابية و تحت وطأة النتائج الحسابية و الترويج للتصويت المفيد
و أمام تداول الباء و الهاء على السلطة يجبر ناخبوا الألف بتلك الدائرة على اختيار
جانب ينحازون له فإذا فرضنا انقسامهم بين الحزبين الآخرين ليكون لكل منهما خمسة
أعشار أي نصف الناخبين يقصى بذلك الألف من الدائرة التي كان بها أغلبيا و يحرم من
أي تمثيلية و لو بسيطة في ضل نظام التمثيل النسبي على سبيل المثال. لنتصور الآن
أنه بعد عقود من التداول الثنائي يقرر حزب ثالث دخول المعترك لنفترض أنه سيكون الألف.
في حقيقة الحال هو لن ينال أكثر من 15%
من الأصوات أغلبها من الهاء الذي ينتمي و إياه لنفس العائلة السياسية و الذي يكون
ناخبوه أشد توافقا معه من غيره بذلك يخسر الهاء السلطة لصلح الباء و لا يكون الألف
قد حقق شيئا سوى أذية ناخبيه الذين كانوا ممثلين بحزب يمسك بزمام السلطة و هم
ناخبون لن يقترفوا خطأ التصويت لحزب ثالث ثانية.
إذن و كما سبق بسطه و بيانه أعلاه في دراسات
سياسية و اجتماعية حديثة من قبل أمثال إليوت كولتر و بين جاكوبز و بيل نيميتز و
غيرهم كل دولة ديمقراطية في العالم بغض النظر عن نظام النتخاب فيها أمهلها وقتا
كافيا و ستحكمها ثنائية حزبية.
نشرت هذه القصة و الصورة المرفقة بتاريخ 16 فيفري 2015 في المعلقة (مجلة حائطية اسبوعية كانت تصدر عن منتدى الحقوقيين بكلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة و قد كنت رئيس تحريرها)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق